فصل: سورة الرحمن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [50].
{وَمَا أَمْرُنَا} أي: الذي به الإيجاد {إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} أي: كلمة واحدة يكون بها كل شيء، بمقتضى استعداده، كلمح بالبصر في السرعة. قال القاشانيّ:
{إِلَّا وَاحِدَةٌ} أي: تعلق المشيئة الأزلية الموجبة لوجود كل شيء في زمان معيّن، على وجه معلوم، ثابت في لوح القدرة، المسمّى في الشرع بكن، فيجب وجوده في ذلك الزمان، على ذلك الوجه دفعة. انتهى.
وقيل: معنى الآية، معنى قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النحل: 77].

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [51].
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} أي: أشباهكم في الكفر من الأمم السالفة.
قال الشهاب: أصل معنى الأشياع جمع شيعة، وهم من يتقوى بهم المرء من الأتباع. ولما كانوا في الغالب من جنس واحد، أريد به ما ذكر، إما باستعماله في لازمه، أو بطريق الاستعارة.
{فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أي: متعظ بذلك ينزجر به.

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [52].
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} أي: الكتب التي أحصتها الحَفَظة عليهم.

.تفسير الآية رقم (53):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [53].
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} أي: من الأعمال {مُسْتَطَرٌ} أي: مسطور لا يمحى ولا ينسى، كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49]، وقوله سبحانه: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 13- 14].
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً».
قال ابن كثير: ورواه النسائيّ وابن ماجه من طريق سعيد بن مسلم بن ماهك المدنيّ، وثّقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم. وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا، من وجه آخر. ثم قال سعيد: فحدّثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي: ويحك يا سعيد! لقد حدّثني سليمان بن المغيرة أنه عمل ذنباً فاستصغره، فأتاه آت في منامه، فقال له: يا سليمان!
لا تحقِرَنَّ من الذُّنوبِ صَغيرا ** إنَّ الصغير غَداً يعودُ كبيراَ

إنّ الصغيرَ ولَو تَقادَمَ عَهْدُهُ ** عند الإله مُسَطّرٌ تسطيراَ

فازجُرْ هواك عَنِ الْبطالَة لا تكن** صعبَ القياد وشَمِّرَنْ تَشْميرا

إنّ المُحِبّ إذا أحبَّ إِلَهَهُ ** طارَ الفؤادُ وأُلْهِمَ التفكيرا

فاسأل هِدايتك الإله فَتَتَّئدْ ** فكَفى بِرَبِّك هَادياً وَنصيِراً

.تفسير الآيات (54- 55):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [54- 55].
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} أي: الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداءِ فرائضه، واجتناب نواهيه، {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} أي: أنهار. واكتفى باسم الجنس المفرد لرعاية الفواصل. وقرئ بسكون الهاء، وضم النون، وقرئ بضمهما.
{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} قال ابن جرير: أي: في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم.
وقال الزمخشريّ: في مكان مرضي. قال شراحه: فالصدق مجاز مرسل في لازمه، أو استعارة. وقيل المراد صدق المبشِّر به، وهو الله ورسوله. أو المراد أنه ناله مَن ناله بصدقه وتصديقه للرسل، فالإضافة لأدنى ملابسة.
{عِندَ مَلِيكٍ} بمعنى مالك. قال الشهاب: وليس إشباعاً، بل هي صيغة مبالغة كالمقتدر {مُّقْتَدِرً} قال القاشانيّ: أي: يقدر على تصريف جميع ما في ملكه على حكم مشيئته، وتسخيره على مقتضى إرادته لا يمتنع عليه شيء.
قال الشهاب: في تنكير الأسمين الكريمين إشارة إلى أن ملكه وقدرته لا تدري الأفهام كنههما، وأن قربهم منه بمنزلة من السعادة والكرامة، بحيث لا عين رأت ولا أذن سمعت، مما يجل عن البيان وتكل دونه الأذهان.

.سورة الرحمن:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 2):

القول في تأويل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [1- 2].
{الرحمن علم القران} أي: بصّر به ما فيه رضاه، وما فيه سخطه، برحمته ليطاع باتباع ما يرضيه، وعمل ما أمر به، وباجتناب ما نهى عنه، وأوعد عليه، فينال جزيل ثوابه، وينجى من أليم عقابه.
قال القاضي: لما كانت السورة مقصورة على تعداد النعم الدنيوية والأخروية، صدّرها بـ: {الرَّحْمَنِ} وقدم ما هو أصل النعم الدينية وأجلّها، وهو إنعامه بالقرآن، وتنزيله وتعليمه، فإنه أساس الدين، ومنشأ الشرع، وأعظم الوحي، وأعز الكتب، إذ هو بإعجازه واشتماله على خلاصتها، مصدق لنفسه، ومصداق لها.
ثم أتبعه بقوله:

.تفسير الآيات (3- 4):

القول في تأويل قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَاْن عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [3- 4].
{خلق الْإِنْسَاْن علمه البيان} إيماء بأن خلق البشر، وما تميز به عن سائر الحيوان من البيان- وهو التعبير عما في الضمير، وإفهام الغير- لما أدركه لتلقي الوحي، وتعرف الحق، وتعلم الشرع، أي: فإذا كان خلقهم إنما هو في الحقيقة لذلك اقتضى اتصاله بالقرآن، وتنزيله الذي هو منبعه، وأساس بنيانه.
قال الزمخشريّ: وإخلاؤها من العاطف لمجيئها على نمط التعديد، كما تقول: زيد أغناك بعد فقر، أعزك بعد ذل، كثرك بعد قلة، فعل بك ما لم يفعل أحد بأحد، فما تنكر إحسانه؟ وهذا- كما قال الشهاب- مصحح. والمرجح الإشارة إلى أن كلاً منها ربما مستقلة تقتضي الشكر، ففيه إيماء إلى تقصيرهم في أدائه. ولو عطفت مع شدة اتصالها وتناسبه، ربما توهم أنها كلها نعمة واحدة.
وقال الأصفهانيّ في الذريعة: لما كان النطق أشرف ما خص به الْإِنْسَاْن، فإن صورته المعقولة التي بها باين سائر الحيوان، قال عز وجل: {خلق الْإِنْسَاْن علمه البيان} ولم يقل: وعلمه؛ إذ جعل قوله: {عَلِّمُهُ} تفسيراً لقوله: {خُلِقَ الْإِنْسَاْن} تنبيهاً أن خلقه إياه هو تخصيصه بالبيان الذي لو توهم مرتفعاً لكانت الْإِنْسَاْنية مرقفعة، ولذلك قيل: ما الْإِنْسَاْن لولا اللسان إلا بهيمة مهملة أو صورة ممثلة. وقيل: المرء مخبوء تحت لسانه.
قال الشاعر:
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُهُ *فلم يبق إلا صورةُ اللحم والدّمِ

أي: إذا توهم ارتفاع النطق الذي هو باللسان، والقوة الناطقة التي هي بالفؤاد، لم يبق إلا صورة اللحم والدم. فإذا كان الْإِنْسَاْن هو اللسان فلا شك أن من كان أكثر منه حظاً كان أكثر منه إنسانية. والصمت من حيث ما هو صمت مذموم، فذلك من صفات الجمادات، فضلاً عن الحيوانات. وقد جعل الله تعالى بعض الحيوانات بلا صوت، وجعل لبعضها صوتاً بلا تركيب، ومن مدح الصمت فاعتباراً بمن يسيء في الكلام، فيقع منه جنايات عظيمة في أمور الدين والدنيا، فإذا ما اعتبرا بأنفسهما، فمحال أن يقال في الصمت فضل، فضلاً أن يخاير بينه وبين النطق. وسئل حكيم عن فضلهما فقال: الصمت أفضل حتى يحتاج إلى النطق. وسئل آخر عن فضلهما فقال: الصمت عن الخنا أفضل من الكلام بالخطأ. وعنه أخذ الشاعر:
الصَّمتُ ألْيِقُ بالفَتى ** من منطقٍ في غَيْرِ حينِهْ

انتهى. وقد جوّز- كما حكاه الشهاب- أن يكون {الرَّحْمَنِ} خبر محذوف، أي: الله الرحمن، وما بعده مستأنف لتعديد نعمه. ثم قال: و{عَلَّمَ} من التعليم، ومفعوله مقدر، أي: علّم الْإِنْسَاْن، لا جبريل أو محمداً عليهما الصلاة والسلام، وليس من العلامة من غير تقدير، كما قيل، أي: جعله علامة وآية لمن اعتبر، لبُعْدِهِ.

.تفسير الآيات (5- 7):

القول في تأويل قوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [5- 7].
{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} أي: يجريان بحساب معلوم مقدّر في بروجهما ومنازلهما، به تتسق أمور الكائنات السفلية، وتختلف الفصول والأوقات، ويعلم السنون والحساب.
{وَالنَّجْمِ} أي: النبات الذي ينجم، أي: يطلع من الأرض ولا ساق له.
{وَالشَّجَرَ} أي: الذي له ساق {يَسْجُدَانِ} أي: ينقادان لله فيما يريد بهما طبعاً، انقياد الساجد من المكلفين طوعاً. فهو استعارة مصرحة تبعيّة، شبّه جريهما على مقتضى طبيعته، بانقياد الساجد لخالقه والجملة- إن كانت خبراً عن الرحمن لعطفها على الخبر- فالرابط محذوف لوضوحه، أي: بحسبانه ويسجدان له. أو مستأنفة، فالقطع لأنها مسوقة لغرض آخر. وإدخال العاطف بينهما لما أن الشمس والقمر سماويّان، والنجم والشجر أرضيّان، فبينهما مناسبة بالتقابل، وبانقياد الكل لإرادته.
{وَالسَّمَاء رَفَعَهَا} أي: خلقها مرفوعة.
{وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} أي: العدل بين خلقه في الأرض.
قال القاشانيّ: أي: خفض ميزان العدل إلى أرض النفس والبدن، فإن العدالة هيئة نفسانية، لولاها لما حصلت الفضيلة الْإِنْسَاْنية. ومنه الاعتدال في البدن الذي لو لم يكن لما وجد ولم يبق. ولمّا استقام أمر الدين والدنيا بالعدل واستتبّ كمال النفس والبدن به، بحيث لولاه لفسد أمر بمراعاته ومحافظته قبل تعديد الأصول بتمامها، لشدّة العناية به، وفرط الاهتمام بأمره. وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (8- 9):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [8- 9].
{أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ} أي: بالإفراط عن حدّ الفضيلة والاعتدال، فيلزم الجور الموجب للفساد. وأنْ مصدرية على تقدير الجارّ، أي: لئلا تطغوا فيه، أو مفسرة لما في وضع الميزان من معنى القول، لأنه بالوحي وإعلام الرسل.
{وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ} أي: الاستقامة في الطريقة، وملازمة حدّ الفضيلة، ونقطة الاعتدال في جميع الأمور، وكل القوى.
{وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} قال القاشانيّ: أي: بالتفريط عن حدّ الفضيلة.
قال بعض الحكماء: العدل ميزان الله تعالى، وضعه للخلق، ونصبه للحق. انتهى.
وممن فسّر {الْمِيزَانَ} في الآية بالعدل مجاهد وتبعه ابن جرير وكذا ابن كثير، ونظر لذلك بآية {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، وجوّز أن يراد بالميزان ما يعرف به مقادير الأشياء من ميزان ومكيال ونحوهما. ومنه قال السيوطيّ في الإكليل: فيه وجوب العدل في الوزن، وتحريم البخس فيه، وعليه فوجه اتصال قوله: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} بما قبله، هو أنه لما وصف السماء بالرفعة التي هي مصدر القضايا والأقدار، أراد وصف الأرض بما فيها، مما يظهر به التفاوت، ويعرف به المقدار، ويسوّى به الحقوق والمواجب، كذا ارتآه القاضي، والله أعلم.
وفي الحقيقة، الثاني من أفرد الأول، وأخذ اللفظ عامّاً أولى وأفيد.
ومن اللطائف التي يتسع لها نظم الآية الكريمة قول الرازيّ:
{الْمِيزَانَ} ذكر ثلاث مرات، كل مرة بمعنى، فالأول: هو الآلة، والثاني: للمفعول بمعنى المصدر، والثالث: للمفعول. قال: وهو كالقرآن، ذكر بمعنى المناسبة، قوله تعالى: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]، وبمعنى المقروء في قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 17]، وبمعنى الكتاب الذي فيه المقروء في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} [الرعد: 31]، فكأنه آلة ومحل له، وفي قوله تعالى: {آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87]. ثم قال: وبين القرآن والميزان مناسبة، فإن القرآن فيه من العلم ما لا يوجد في غيره من الكتب، والميزان فيه من العدل مالا يوجد في غيره من الآلات. انتهى.

.تفسير الآيات (10- 13):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [10- 13].
{وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} أي: مهّدها للخلق {فِيهَا فَاكِهَةٌ} أي: صنوف مما يتفكّه به {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} أي: أوعية الطلع، وهو الذي يطلع فيه العنقود، ثم ينشقّ عن العقود فيكون بُسراً ثم رطباً، ثم ينضج ويتناهى نفعه واستواؤه، وإنمامختلفة بالذكر، لما فيها من الفوائد العظيمة، على ما عرف من اتخاذ الظروف منها، والانتفاع بجمّارها وبالطلع والبسر والرطب وغير ذلك، فثمرتها في أوقات مختلفة كأنها ثمرات مختلفة، فهي أتم نعمة بالنسبة إلى غيرها من الأشجار، فلذا ذكر النخل باسمه، وذكر الفاكهة دون أشجارها، فإن فوائد أشجارها في عين ثمارها.
{وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ} أي: وفيها الحبّ، وهو حَبّ البُرّ والشعير ونحوهما {ذُو الْعَصْفِ} أي: الورق اليابس كالتبن {وَالرَّيْحَانُ} أي: الورق الأخضر، تذكير بالنعمة به وبورقه في حاليته. هذا على قراءة: {الريحان} بالجرّ. وقرئ بالرفع، وهو الزرع الأخضر مطلقاً، سمي به تشبيهاً له بما فيه الروح؛ لأن حياته النباتية في نضرة خضرته.
قال ابن عباس: الريحان خضر الزرع.
وقال القرطبيّ: الريحان، إما فيعملان، من روح، فقلبت الواو ياء، وأدغم ثم خفف، أو فعلان، قلبت واوه ياء للتخفيف، أو للفرق بينه وبين الروحان، وهو ما له روح.
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قال أبو السعود: الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله تعالى: {لِلْأَنَامِ} [الرحمن: 10]، وسينطلق به قوله تعالى: {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [الرحمن: 31]. والفاء لترتيب الإنكار، والتوبيخ على فصل من فنون النعماء، وصنوف الآلاء الموجبة للإيمان والشكر حتماً. والتعرّض لعنوان الربوبية المنبئة عن المالكية الكلية والتربية مع الإضافة إلى ضميرهم لتأكيد النكير، وتشديد التوبيخ. ومعنى تكذيبهم بآلائه تعالى كفرهم بها، إما بإنكار كونه نعمة في نفسه، كتعليم القرآن، وما يستند إليه من النعم الدينية، وإما بإنكار كونه من الله تعالى، مع الاعتراف بكونه نعمة في نفسه، كالنعم الدنيوية الواصلة إليهم بإسناده إلى غيره تعالى استقلالاً، أو اشتراكاً صريحاً، أو دلالة، فإن إشراكهم لآلهتهم به تعالى في العبادة من دواعي إشراكهم لها به تعالى فيما يوجبها. والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب، لما أن دلالة الآلاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر، شهادة منها بذلك، فكفرهم تكذيب بها لا محالة، أي: فإذا كان الأمر كما فصل، فبأي فرد من أفراد آلاء مالِككما ومربيكما بتلك الآلاء تكذبان، مع أن كلاً منهما ناطق بالحق، شاهد بالصدق. انتهى.